سورة الفجر - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفجر)


        


قال جمهور من المتأولين: {الفجر} هنا المشهور الطالع كل يوم، قال ابن عباس: {الفجر} النهار كله، وقال ابن عباس أيضاً وزيد بن أسلم: {الفجر} الذي أقسم الله به، صلاة الصبح، وقراءتها هو قرآن الفجر، وقال مجاهد: إنما أراد فجر يوم النحر، وقال الضحاك: المراد فجر ذي الحجة، وقال مقاتل المراد فجر ليلة جمع، وقال ابن عباس: أيضاً: المراد فجر أول يوم من المحرم، لأنه فجر السنة، وقيل المراد فجر العيون من الصخور وغيرها، وقال عكرمة: المراد فجر يوم الجمعة، واختلف الناس في الليالي العشر فقال بعض الرواة: هي العشر الأولى من رمضان، وقال الضحاك وابن عباس: هي العشر الأواخر من رمضان، وقال بنان وجماعة من المتأولين: هي العشر الأولى من المحرم، وفيه يوم عاشوراء، وقال مجاهد وقتادة والضحاك والسدي وعطية العوفي وابن الزبير رضي الله عنه: هي عشر ذي الحجة، وقال مجاهد: هي عشر موسى التي أتمها الله له، وقرأ الجمهور {وليالٍ}، وقرأ بعض القراء {وليالي عشر} بالإضافة وكأن هذا على أن العشر مشار إليه معين بالعلم به، ثم وقع القسم بلياليه فكأن العشر اسم لزمه حتى عومل معاملة الفرد، ثم وصف ومن راعى فيه الليالي قال العشر الوسط، واختلف الناس في {الشفع والوتر} فقال جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: {الشفع} يوم النحر {والوتر} يوم عرفة وروى أيوب عنه صلى الله عليه وسلم قال: «الشفع يوم عرفة ويوم الأضحى، والوتر ليلة النحر» وروى عمران بن حصين عنه عليه السلام أنه قال: «هي الصلوات منها الشفع ومنها الوتر» وقال ابن الزبير وغيره: {الشفع} اليومان من أيام التشريق {والوتر}، اليوم الثالث، وقال آخرون: {الشفع}، العالم {والوتر}، الله إذا هو الواحد محضاً وسواه ليس كذلك، وقال بعض المتأولين: {الشفع} آدم وحواء، و{الوتر} الله، وقال ابن سيرين ومسروق وأبو صالح: {الشفع والوتر} شائعان الخلق كله، الإيمان والكفر والإنس والجن وما اطرد على نحو هذا فهي أضداد أو كالأضداد، وترها الله تعالى فرد أحد. وقيل {الشفع}: الصفا والمروة، {والوتر} البيت، وقال الحسن بن الفضل: {الشفع} أبواب الجنة لأنها ثمانية أبواب، {والوتر} أبواب النار لأنها سبعة أبواب، وقال مقاتل: {الشفع} الأيام والليالي، {والوتر} يوم القيامة لأنه لا ليل بعده، {والوتر} اتحاد صفات الله تعالى، عز محض وكرم محض ونحوه، وقيل {الشفع}، قرآن الحج والعمرة، {والوتر} الإفراد في الحج، وقال الحسن: أقسم الله تعالى بالعدد لأنه إما شفع وإما وتر، وقال بعض المفسرين: {الشفع} حواء {والوتر} آدم عليه السلام، وقال ابن عباس ومجاهد: {الوتر} صلاة المغرب، و{الشفع} صلاة الصبح، وقال أبو العالية: {الشفع} الركعتان من المغرب {والوتر} الركعة الأخيرة، وقال بعض العلماء: {الشفع} تنفل الليل مثنى مثنى {والوتر} الركعة الأخيرة معروفة، وقرأ جمهور القراء والناس {والوَتر} بفتح الواو، وهي لغة قريش وأهل الحجاز، وقرأ حمزة والكسائي والحسن بخلاف وأبو رجاء وابن وثاب وطلحة والأعمش وقتادة: {والوِتر} بكسر الواو، وهي لغة تميم وبكر بن وائل، وذكر الزهراوي أن الأغر رواها عن ابن عباس وهما لغتان في الفرد، وأما الدخل فإنما هو وتر بالكسر لا غير، وقد ذكر الزهراوي أن الأصمعي حكى فيه اللغتين الفتح والكسر، وسرى الليل ذهابه وانقراضه، هذا قول الجمهور، وقال ابن قتيبة والأخفش وغيره، المعنى {إذا يسري} فيه فيخرج هذا الكلام مخرج ليل نائم ونهار بطال.
وقال مجاهد وعكرمة والكلبي: أراد بهذا ليلة جمع لأنه يسرى فيها، وقرأ الجمهور: {يسر} دون ياء في وصل ووقف، وقرأ ابن كثير: {يسري} بالياء في وصل ووقف، وقرأ نافع وأبو عمرو بخلاف عنه {يسري} بباء في الوصل ودونها في الوقف وحذفها تخفيف لاعتدال رؤوس الآي إذ هي فواصل كالقوافي، قال اليزيدي: الوصل في هذا وما أشبهه بالياء، والوقف بغير ياء على خط المصحف. ووقف تعالى على هذه الأقسام العظام هل فيها مقنع وحسب لذي عقل. و{الحجر} العقل والنهية، والمعنى فيزدجر ذو الحجر وينظر في آيات الله تعالى، ثم وقف تعالى على مصانع الأمم الخالية الكافرة وما فعل ربك من التعذيب والإهلاك والمراد بذلك توعد قريش ونصب المثل لها. و{عاد} قبيلة لا خلاف في ذلك، واختلف الناس في {إرم} فقال مجاهد وقتادة: هي القبيلة بعينها، وهذا على قول ابن الرقيات: [المنسرح]
مجداً تليداً بناه أوله *** أدرك عاداً وقبله إرما
وقال زهير: [البسيط]
وآخرين ترى الماذي عدتهم *** من نسج داود أو ما أورثت إرم
قال ابن إسحاق: {إرم} هو أبو عاد كلها، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وقال: هو أحد أجدادها، وقال جمهور المفسيرين: {إرم} مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن، وقال محمد بن كعب: هي الإسكندرية، وقال سعيد بن المسيب والمقري: هي دمشق، وهذان القولان ضعيفان، وقال مجاهد {إرم} معناه القديمة، وقرأ الجمهور {بعادٍ وإرمٍ} فصرفوا {عاداً} على إرادة الحي ونعت ب {إرم} بكسر الهمزة على أنها القبيلة بعينها، ويؤيد هذا قول اليهود للعرب: سيخرج فينا نبي نتبعه نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فهذا يقتضي أنها قبيلة، وعلى هذه القراءة يتجه أن يكون {إرم} أباً لعاد أو جداً غلب اسمه على القبيل، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {بعادَ إرمٍ} بترك الصرف في عاد وإضافتها إلى {إرم}، وهذا يتجه على أن يكون {إرم} أباً أو جداً وعلى أن تكون مدينة، وقرأ الضحاك {بعادَ أرَمَ} بفتح الدال والهمزة من {أرَمَ} وفتح الراء والميم على ترك الصرف في {عاد} والإضافة، وقرأ ابن عباس والضحاك {بعاد إرمّ} بشد الميم على الفعل الماضي بمعنى بلى وصار رميماً، يقال ارمّ العظم وأرم وأرمه الله تعدية رم بالهمزة، وقرأ ابن عباس أيضاً: {ارم ذاتَ} بالنصب في التاء على إيقاع الإرمام عليها، أي أبلاها ربك وجعلها رميماً، وقرأ ابن الزبير: {أرِم ذات العماد} بفتح الهمزة وكسر الراء، وهي لغة في المدينة، وقرأ الضحاك بن مزاحم {أرْم} بسكون الراء وفتح الهمزة وهو تخفيف في ارم كفخذة وفخذ، واختلف الناس في قوله تعالى: {ذات العماد} فمن قال: {إرم} مدينة، قال العماد أعمدة الحجارة التي بنيت بها، وقيل القصور العالية والأبراج يقال لها عماد، ومن قال: {إرم} قبيلة قال: {العماد} إما أعمدة بنيانهم وإما أعمدة بيوتهم التي يرحلون بها لأنهم كانوا أهل عمود ينتجعون البلاد، قاله مقاتل وجماعة.
وقال ابن عباس: هي كناية عن طول أبدانهم، وقرأ الجمهور: {يُخلَق} بضم الياء وفتح اللام {مثلُها} رفعاً، وقرأ ابن الزبير {يَخلُق} بفتح الياء وضم اللام {ومثلَها} نصباً، وذكر أبو عمرو الداني عنه أنه قرأ {نخلق} بالنون وضم اللام مثلَها نصباً، وذكر التي قبل هذه عن عكرمة، والضمير في {مثلها} يعود إما على المدينة وإما على القبيلة، وقرأ يحيى بن وثاب وثموداً بتنوين الدال، و{جابوا الصخر} معناه خرقوه ونحتوه، وكانوا في أوديتهم قد نحتوا بيوتهم في حجارة، والوادي ما بين الجبلين وإن لم يكن فيه ماء، هذا قول كثير من المفسرين في معنى {جابوا الصخر بالواد} وقال الثعلبي: يريد بوادي القرى، وقال قوم: المعنى جابوا واديهم وجلبوا ماءهم في صخر شقوه، وهذا فعل ذوي القوة والآمال، وقرأ ابن كثير بالوادي بياء، وقرأ أكثر السبعة {بالواد} ياء واختلف في ذلك نافع، وقد تقدم هذا، {وفرعون} هو فرعون موسى، واختلف الناس في أوتاده فقيل أبنيته العالية العظيمة، قاله محمد بن كعب، وقيل جنوده الذين بهم يثبت ملكه وقيل المراد أوتاد أخبية عساكره وذكرت لكثرتها ودلالتها على غزواته وطوفه في البلاد، قاله ابن عباس ومنه قول الأسود بن يعفر:
في ظل ملك ثابت الأوتاد ***
وقال قتادة: كان له أوتاد يلعب عليها الرجال بين يديه وهو مشرف عليهم، وقال مجاهد: كان يوتد الناس بأوتاد الحديد يقتلهم بذلك يضربها في أبدانهم حتى تنفذ إلى الأرض، وقيل إنما فعل ذلك بزوجته آسية، وقيل إنما فعل بماشطة ابنته لأنها كانت آمنت بموسى، والطغيان تجاوز الحدود، والصب يستعمل في السوط لأنه يقتضي سرعة في النزول، ومنه قول الشاعر في المحدودين في الإفك:


ذكر الله تعالى في هذه الآية: ما كانت قريش تقوله تستدل به على إكرام الله تعالى وإهانته لعبده، وذلك أنهم كانوا يرون أن من عنده الغنى والثروة والأولاد فهو المكرم، وبضده المهان، ومن حيث كان هذا المقطع غالباً على كثيرين من الكفار، جاء التوبيخ في هذه الآية لاسم الجنس، إذ يقع بعض المؤمنين في شيء من هذا المنزع، ومن ذلك حديث الأعراب الذين كانوا يقدمون المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم، فمن نال خيراً قال هذا دين حسن، ومن ناله شر قال هذا دين سوء، و{ابتلاه} معناه: اختبره، و{نعمه} معناه: جعله ذا نعمة، وقرأ ابن كثير {أكرمني} بالياء في وصل ووقف وحذفها عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي في الوجهين: وقرأ نافع بالياء في الوصل وحذفها في الوقف، وكذلك {أهانني}، وخير في الوجهين أبو عمرو، وقرأ جمهور الناس: {فقدَر} بتخفيف الدال، بمعنى ضيق، وقرأ الحسن بخلاف وأبو جعفر وعيسى {قدّر} بمعنى: جعله على قدر، وهما بمعنى واحد في معنى التضييق لأنه ضعف قدر مبالغة جعفر وعيسى {قدّر} بمعنى: جعله على قدر، وهم بمعنى واحد في معنى التضييق لأنه ضعف قدر مبالغة لا تعدية، ويقتضي ذلك قول الإنسان {أهانني}، لأن قدر معدي إنما معناه أعطاه ما يكفيه ولا إهانة مع ذلك، ثم قال تعالى: {كلا} ردّاً على قولهم ومعتقدهم، أي ليس إكرام الله تعالى وإهانته، في ذلك، وإنما ذلك ابتلاء فحق من ابتلي بالغنى أن يشكر ويطيع، ومن ابتلي بالفقر أن يشكر ويصبر، وأما إكرام الله تعالى فهو بالتقوى، وإهانته فبالمعصية، ثم أخبرهم بأعمالهم من أنهم لا يكرمون اليتيم وهو من بني آدم الذي فقد أباه وكان غير بالغ. ومن البهائم ما فقد أمه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحَبُّ البيوت إلى الله، بيت فيه يتيم مكرم»، وقرأ ابن كثير وابن عامر {يحضون} بمعنى: يحض بعضهم بعضاً أو تحضون أنفسكم، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {تحاضون} بفتح التاء بعنى تتحاضون، أي يحض قوم قوماً، وقرأ أبو عمرو و{يحضون} بياء من تحت مفتوحة وبغير ألف، وقرأ عبد الله بن المبار: {تُحاضون} بضم التاء على وزن تقاتلون، أي أنفسكم أي بعضكم بعضاً ورواها الشيرزي عن الكسائي، وقد يجيء فاعلت بمعنى فعلت وهذا منه، وإلى هذا ذهب أبو علي وأنشد:
تحاسنت به الوشى *** قرات الرياح وخوزها
أي حسنت وأنشد أيضاً: [الرجز]
إذا تخازرت وما بي من خزر ***
ويحتمل أن تكون مفاعلة، ويتحه ذلك على زحف ما فتأمله، وقرأ الأعمش {تتحاضون} بتاءين، و{طعام} في هذه الآية بمعنى إطعام، وقال قوم أراد نفس طعامه الذي يأكل، ففي الكلام حذف تقديره على بدل {طعام المسكين}، وقد تقدم القول في سورة براءة في المسكين والفقير بمعنى يغني عن إعادته، وعدد عليهم جدهم في أكل التراث لأنهم لا يورثون النساء ولا صغار الأولاد إنما كان يأخذ المال من يقاتل ويحمي الحوزة، واللّم: الجمع واللف.


روي في قوله تعالى: {وجيء يومئذ بجهنم} أنها تساق إلى الحشر بسبعين ألف زمام، يمسك كل زمام سبعون ألف ملك فيخرج منها عنق فينتقي الجبابرة من الكفار في حديث طويل مختلف الألفاظ، وجهنم هنا، هي النار بجملتها، وروي أنه لما نزلت {وجيء يومئذ بجهنم} تغير لون النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: {يتذكر الإنسان} معناه: يتذكر عصيانه وطغيانه، وينظر ما فاته من العمل الصالح، ثم قال تعالى: {وأنى له الذكرى} ثم ذكر عنه أنه يقول: {يا ليتني قدمت لحياتي}، واختلف في معنى قوله: {لحياتي} فقال جمهور المتأولين معناه: {لحياتي} الباقية يريد في الآخرة، وقال قوم من المتأولين: المعنى {لحياتي} في قبري عند بعثي الذي كنت أكذب به وأعتقد أني لن أعود حياً، وقال آخرون: {لحياتي} هنا مجاز، أي {ليتني قدمت} عملاً صالحاً لأنعم به اليوم وأحيا حياة طيبة، فهذا كما يقول الإنسان أحييني في هذا الأمر، وقال بعض المتأولين لوقت أو لمدة حياتي الماضية في الدنيا، وهذا كما تقول جئت لطلوع الشمس ولتاريخ كذا ونحوه، وقرأ جمهور القراء وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبو عبد الرحمن {يعذِّب} و{يوثِق} بكسر الذال الثاء، وعلى هذه القراءة، فالضمير عائد في عذابه ووثاقه لله تعالى، والمصدر مضاف إلى الفاعل ولذلك معنيان: أحدهما أن الله تعالى لا يكل عذاب الكفار يومئذ إلى أحد، والآخر أن عذابه من الشدة في حيز لم يعذب قط أحد بمثله، ويحتمل أن يكون الضمير للكافر والمصدر مضاف إلى المفعول، وقرأ الكسائي وابن سيرين وابن أبي إسحاق وسوار القاضي {يعذَّب} و{يوثَق} بفتح الذال والثاء، ورويت كثيراً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالضميران على هذا للكافر الذي هو بمنزلة جنسه كله والمصدر مضاف إلى المفعول ووضع عذاب موضع تعذيب كما قال: [القرطبي]: [الوافر]
وبعض عطائك المائة الرتاعا ***
ويحتمل أن يكون الضميران في هذه القراءة لله تعالى، كأنه قال: لا يعذب أحد قط في الدنيا عذاب الله للكفار، فالمصدر مضاف إلى الفاعل، وفي هذا التأويل تحامل، وقرأ الخليل بن أحمد {وِثاقه} بكسر الواو، ولما فرغ ذكر هؤلاء المعذبين عقب تعالى بذكر نفوس المؤمنين وحالهم فقال: {يا أيتها النفس المطمئنة} الآية، و{المطمئنة} معناه: الموقنة غاية اليقين، ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام قال: {ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: 260]، فهي درجة زائدة على الإيمان، وهي أن لا يبقى على النفس في يقينها مطلب يحركها إلى تحصيله، واختلف الناس في هذا النداء متى يقع فقال ابن زيد وغيره: هو عند خروج نفس المؤمن من جسده في الدنيا، وروي أن أبا بكر الصديق سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: